الأسلحة غير التقليدية- دورها المتصاعد وتحديات الرقابة في صراع إيران وإسرائيل

تحتل الأسلحة غير التقليدية، بما في ذلك الأسلحة الفتاكة النووية والكيميائية والبيولوجية بالإضافة إلى القدرات السيبرانية المتطورة، مكانة مرموقة في سياق العلاقات الدولية المعقدة واستراتيجيات الأمن القومي للدول الطامحة؛ وذلك بفضل قدرتها الخارقة على تغيير موازين الحرب بشكل جذري، وإحداث خسائر بشرية ومادية فادحة، وإعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي والعالمي باستمرار، ناهيك عن المساهمة الفعالة في تعزيز قوة الردع الاستراتيجي للدول.
وفي ظل الفوضى الهيكلية التي تهيمن على النظام الدولي، حيث يغيب وجود سلطة مركزية نافذة قادرة على فرض الامتثال الصارم للقوانين الدولية الملزمة، فقد أصبحت هذه الأسلحة المتطورة أدوات حيوية واستراتيجية للدول، تضمن لها البقاء والصمود في مواجهة التحديات والتهديدات التي يفرضها خصومها.
ومع ذلك، فقد أدت التطورات التكنولوجية المتسارعة، وازدياد حدة التوترات الإقليمية الملتهبة، وتراجع الثقة المتزايد في فعالية أنظمة مراقبة الأسلحة الدولية، إلى تعقيد إدارة هذا الملف الشائك والمتشابك. وتعتبر المواجهة المحتملة بين طهران وتل أبيب - باعتبارها واحدة من أكثر الصراعات تعقيدًا في منطقة الشرق الأوسط - نموذجا قيما لدراسة الدور الحيوي والمكانة المحورية التي تحتلها الأسلحة غير التقليدية في تحديد مسار مستقبل هذه المنطقة المتقلبة.
بين الأسلحة غير التقليدية والأسلحة المحظورة
يُقصد بالأسلحة غير التقليدية تلك الترسانات التي تنحرف عن مسار الأسلحة التقليدية المألوفة، سواء من حيث طبيعتها التدميرية الهائلة أو تأثيرها الواسع النطاق على المجتمعات المدنية والبيئة المحيطة، وتشمل هذه الفئة الأسلحة النووية الفتاكة، والكيميائية السامة، والبيولوجية الخطيرة، والسيبرانية المتطورة.
وعلى النقيض من ذلك، تصنف الأسلحة المحظورة على أنها تلك التي يُحظر إنتاجها أو تخزينها أو استخدامها بشكل قاطع بموجب المعاهدات والاتفاقيات الدولية الراسخة، مثل اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC)، واتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية (BWC).
وعلى الرغم من أن بعض الأسلحة غير التقليدية - مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية - تندرج بشكل واضح ضمن قائمة الأسلحة المحظورة دوليًا، فإن الأسلحة السيبرانية، نظرًا لطبيعتها الحديثة نسبياً وغياب إطار تنظيمي دولي شامل وموحد، لم يتم إدراجها بالكامل بعد في المنظومة الدولية لمراقبة الأسلحة والحد من انتشارها.
ويكتسب هذا التمييز أهمية بالغة في تحليل النزاع المحتمل بين إيران وإسرائيل، إذ أن التحديات الصعبة المتعلقة بالرقابة الصارمة والتحقق الدقيق من هذه الأسلحة - لا سيما الأسلحة السيبرانية - تخلق تعقيدات جديدة وعقبات جمة أمام نظام مراقبة الأسلحة العالمي.
الأسلحة غير التقليدية وأهميتها الإستراتيجية
تضطلع الأسلحة غير التقليدية بدور محوري في صياغة الإستراتيجيات العسكرية والدبلوماسية للدول الطامحة، وذلك بالنظر إلى تأثيرها العميق على الأمنين الوطني والدولي على حد سواء. وتشمل هذه الفئة المتنوعة الأسلحة النووية، والكيميائية، والبيولوجية، والسيبرانية، ولكل منها خصائص فريدة واستخدامات خاصة:
- الأسلحة النووية: تعتبر بمثابة أداة ردع استراتيجية أساسية تهدف إلى ضمان بقاء الدول في مواجهة التهديدات الوجودية الحاسمة. وتجسد معادلات الردع النووي، مثل مفهوم "توازن الرعب"، مثالاً جليًا على دورها الاستراتيجي في الحفاظ على توازن القوى العالمي الدقيق.
- الأسلحة الكيميائية والبيولوجية: نظرًا لانخفاض تكلفة إنتاجها وإمكانية استخدامها الفعالة في الحروب غير المتكافئة، فإنها تمثل خيارًا مغريًا للدول التي تسعى إلى تعويض نقاط ضعفها العسكرية. وعلى الرغم من القيود الدولية المتزايدة المفروضة عليها، إلا أن الرقابة الفعالة عليها لا تزال مهمة صعبة، والمعاهدات ذات الصلة تعاني من أوجه قصور كبيرة في التنفيذ والردع القانوني.
- الأسلحة السيبرانية: كنتيجة حتمية للتطور التكنولوجي المتسارع، أصبحت تستخدم على نطاق واسع في تدمير البنى التحتية الحيوية للدول، والتجسس الاستراتيجي، وإضعاف قدرات الخصوم دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة. هذه الأسلحة، بسبب طبيعتها غير التقليدية الفريدة وصعوبة تتبعها، تطرح تحديات تنظيمية جديدة ومعقدة على نظام مراقبة الأسلحة العالمي.
من الناحية الإستراتيجية، لا تعتبر هذه الأسلحة أدوات عسكرية فحسب، بل هي أيضًا وسائل قوية للتفاوض وفرض النفوذ على الساحة الدولية. وفي بيئة دولية يسودها الطابع الفوضوي وانعدام الثقة، تُستخدم هذه الأسلحة كضمان أكيد لبقاء الدول وصمودها.
وقد أصبح التخلي عن هذه الأسلحة، نظرًا للخوف المتزايد من اختلال توازن القوى العالمي، خطرًا استراتيجيًا جسيمًا لا يمكن تحمله. ومع التطورات المستقبلية المتوقعة، مثل الذكاء الاصطناعي المتقدم، من المرجح أن تزداد هشاشة أنظمة الأمن الدولية، بما في ذلك نظام مراقبة الأسلحة ونزع السلاح.
الأسلحة السيبرانية: أداة ذات وظائف غير تقليدية
تصنف الأسلحة السيبرانية ضمن فئة الأسلحة غير التقليدية، وذلك نظرًا لطبيعتها غير المألوفة وتأثيراتها الإستراتيجية بعيدة المدى. إذ يمكنها استهداف بنى تحتية حيوية مثل شبكات الكهرباء الحيوية، والأنظمة المصرفية الحساسة، أو الدفاعات العسكرية المحصنة، دون الحاجة إلى مواجهة مادية مباشرة، وتُحدث تأثيرًا مدمرًا لا يقل عن تأثير الأسلحة التقليدية الفتاكة.
وتتمثل إحدى خصائصها الرئيسية في التأثير غير المباشر والواسع النطاق، مما قد يؤدي إلى تعطيل الاقتصاد الوطني والأمن القومي للدول المستهدفة. كما أن طابعها غير المتكافئ يسمح بشن هجمات خفية على خصوم أقوى بتكاليف منخفضة نسبيًا، وتنفيذها لا يتطلب وجودًا ميدانيًا أو قوة عسكرية تقليدية كبيرة.
وتعد صعوبة التنظيم والرقابة من أبرز سمات هذه الأسلحة، لأن تعقيدها الفني المتزايد وطبيعتها الخفية يصعبان تتبعها وضبطها بشكل فعال. ومن هنا، فإن أنظمة مراقبة الأسلحة الحالية غير قادرة على فرض رقابة فعالة على هذا النوع المتطور من الأسلحة.
ونظرًا لحداثة هذه الأسلحة النسبية، وغياب إطار قانوني دولي واضح وموحد ينظم استخدامها، لم يتم إدراجها بعد في بعض النصوص المرجعية الأساسية ضمن فئة الأسلحة غير التقليدية. ويعد استخدام إسرائيل لفيروس "ستاكس نت" المتطور ضد منشآت نطنز النووية الإيرانية في عام 2010 مثالًا حيًا على الدور الإستراتيجي الهام الذي يمكن أن تلعبه هذه الأسلحة.
احتمالية استخدام الأسلحة غير التقليدية
في حال اندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل، تزداد بشكل كبير احتمالية لجوء إسرائيل إلى استخدام الأسلحة غير التقليدية، إذ تمتلك بالفعل سوابق مثيرة للقلق في استخدام أسلحة محرمة دوليًا في قطاع غزة المحاصر.
فقد صرح الدكتور منير البرش، مدير وزارة الصحة في غزة، بأن الجيش الإسرائيلي استخدم أسلحة مجهولة في شمال غزة تسببت في "ذوبان" أجساد الضحايا بشكل مروع. وقد أكدت منظمة (هيومن رايتس ووتش – أوروبا والشرق الأوسط) استخدام أسلحة حرارية من قبل إسرائيل في غزة.
وبناءً على هذه المعطيات الخطيرة، ومع الأخذ في الاعتبار التهديد الوجودي الذي تمثله إسرائيل لإيران، قد تقوم طهران بتعديل عقيدتها الدفاعية العسكرية. وعلى الرغم من التصريحات العلنية التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني السابق، د. عباس عراقجي، بأن طهران لا تنوي الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، حتى في ظل الهجمات المتكررة على منشآتها النووية، فإن وجود سياسة إسرائيلية غامضة بشأن الأسلحة النووية وسجلها الحافل بالجرائم الحربية، قد يدفعان طهران، كما أشار د. كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، إلى إعادة النظر بشكل جدي في عقيدتها النووية والعسكرية.
تحديات نظام مراقبة الأسلحة
تهدف الأنظمة الدولية القائمة، مثل NPT وCWC وBWC، إلى الحد من تطوير واستخدام الأسلحة غير التقليدية بشكل فعال، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة وعقبات جمة، من أهمها:
- الشك المتبادل العميق بين الدول، مما يصعب بشكل كبير الالتزام الصارم بهذه الأنظمة. فإسرائيل، على سبيل المثال، لم توقع على معاهدة NPT، وبالتالي لا تخضع لأي رقابة دولية على برنامجها النووي، بينما تُتهم إيران - على الرغم من عضويتها في المعاهدة - بعدم الشفافية الكافية، وتواجه ضغوطًا دولية كبيرة ومتزايدة.
- قصور كبير في آليات التحقق والرقابة، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة البيولوجية والسيبرانية، وذلك بسبب طبيعتها الخفية وتعقيداتها التقنية المتزايدة. فقد أظهرت هجمات مثل هجوم "ستاكس نت" مدى صعوبة رصد هذه الأسلحة المتطورة والتحقق منها بشكل فعال. كما أن عدم عضوية إسرائيل في معاهدة NPT يمنع فعليًا أي رقابة دولية على برنامجها النووي.
- التنافس الجيوسياسي الحاد في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل، يعزز بشكل كبير من دوافع البلدين لتطوير الأسلحة غير التقليدية. فإسرائيل، باعتبارها القوة النووية الوحيدة في المنطقة وبدعم أميركي قوي وكبير، أخلت بتوازن القوى الإقليمي، وأصبحت عاملًا أساسيًا في الأزمات المتفاقمة في المنطقة وسلوكها العدواني المتزايد.
- ضعف فاعلية الأنظمة القائمة، مثل معاهدة NPT، التي تعاني من الانقسام وعدم التوافق السياسي بين الدول الأعضاء. فقد فشلت مؤتمرات مراجعة المعاهدة في عامي 2015 و2022 بسبب خلافات عميقة حول قضايا حساسة، مثل إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، بينما تواصل دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية زيادة ميزانيات تسليحها النووي بشكل ملحوظ، وتوسع دول أخرى مثل بريطانيا ترسانتها النووية باستمرار.
مستقبل نظام مراقبة الأسلحة
في سياق النزاع الإيراني الإسرائيلي المتصاعد، تشكل الأسلحة السيبرانية، بسبب طبيعتها غير الملموسة وصعوبة تتبعها وتأثيرها الإستراتيجي الكبير، تحديًا كبيرًا لأنظمة الرقابة الدولية القائمة.
وتؤكد الهجمات المتطورة، مثل هجوم "ستاكس نت" أو الهجمات الإيرانية المضادة على البنية التحتية الإسرائيلية، الدور المتصاعد لهذه الأسلحة في النزاعات الحديثة والمعاصرة. كما أن غياب التوافق الدولي على تعريف دقيق وموحد لمصطلح "الهجوم السيبراني"، وانعدام آليات تحقق فعالة وموثوقة، يعقدان بشكل كبير إنشاء نظام رقابة دولي فعال، ويزيدان من احتمالية تصعيد التوترات الإقليمية والدولية.
وتعتبر الأسلحة غير التقليدية، بسبب دورها الحاسم في تحقيق الردع الاستراتيجي، والحفاظ على توازن القوى الإقليمي، وضمان بقاء الدول، خاصة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، عناصر محورية وهامة في مستقبل نظام مراقبة الأسلحة العالمي.
وعلى عكس ما يعتقده المثاليون، فإن انعدام الثقة المتبادل بين الدول، وصعوبة التحقق من الالتزام بالمعاهدات الدولية، والتنافس الجيوسياسي الحاد، قد أضعفت بشكل كبير نظام الرقابة الدولية، وجعلت تقليص الأسلحة غير التقليدية مهمة شبه مستحيلة، بل ودفعت العديد من الدول غير المالكة لهذه الأسلحة إلى التفكير جدياً في امتلاكها.
وفي الصراع المحتدم بين طهران وتل أبيب، وبالنظر إلى طبيعته الوجودية والهوياتية المتجذرة، من المحتمل أن يلجأ الطرفان إلى إضفاء مصداقية أكبر على تهديداتهما المتبادلة؛ بهدف تعزيز الردع الاستراتيجي ضد الهجمات غير التقليدية المحتملة.